كشف تقرير جديد عن مقبرة جماعية في شمال سيناء يُرجّح أن الجيش المصري استخدمها لدفن جثث مدنيين قُتلوا خارج نطاق القانون. وأظهرت النتائج التي نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وحللتها وكالة Forensic Architecture البريطانية، أن الموقع يضم عشرات الجماجم البشرية، مع دلائل على وجود مئات الجثث الأخرى غير الموثقة.

ذكرت ميدل إيست آي أن الحملة العسكرية المصرية ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة منذ 2013 ارتبطت باتهامات خطيرة بانتهاك حقوق المدنيين. وأوضح التقرير أن الباحثين وثّقوا 36 جمجمة بشرية في مقبرة قرب مدينة العريش، بينما تُشير الشهادات الميدانية إلى أن العدد الكلي قد يتجاوز 300 جثة.

استندت التحليلات إلى إفادات عضوين سابقين في ميليشيات متحالفة مع الجيش، أقرّا بنقل محتجزين إلى المقبرة لإعدامهم، مع نفي المشاركة المباشرة في القتل. وأظهرت صور ومقاطع فيديو ومشاهدات ميدانية أن الجثث دُفنت بملابس مدنية كاملة وأحذية، في مخالفة للأعراف الجنائزية، بينما ظهرت على بعض الجماجم آثار عصابات عيون، ما يعزز فرضية القتل خارج القضاء.

استخدم فريق Forensic Architecture الأدلة والصور الفضائية لرصد نشاط عسكري في المنطقة، وبنى نموذجًا ثلاثي الأبعاد يحدد مواقع الرفات. وخلص التقرير إلى أن الدفن العشوائي الواسع النطاق يشكل انتهاكًا فجًّا للقانون الدولي.

إلى جانب المقبرة، وثّق التقرير أربع حوادث جديدة لقتل مدنيين، راح ضحيتها 25 رجلًا وثلاثة أطفال. وأكد أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء، أن "المقبرة الجماعية وعشرات وقائع القتل تمثل جرحًا مفتوحًا لا يندمل إلا بالعدالة"، مضيفًا أن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش والشرطة عبر سنوات من الإفلات من العقاب ترقى إلى جرائم حرب.

كشف شاهد أنه أدلى بشهادته بسبب معاناة مئات الأسر التي تنتظر منذ سبع أو عشر سنوات معرفة مصير أبنائها المختفين. وذكر أن كثيرًا من الضحايا لم يكونوا مقاتلين، بل أشخاصًا مشتبهًا فيهم دون أدلة قاطعة. وسلّم هو وزميله قوائم بأسماء وأماكن دفن تقريبية وتواريخ إعدام.

أظهرت تقارير سابقة أن السلطات وصفت هذه العمليات باعتبارها "اشتباكات مسلحة"، بينما تشير تقديرات المؤسسة إلى أن الجيش قتل 5,053 شخصًا واعتقل 14,837 بين 2013 و2022، رغم أن عدد مقاتلي تنظيم الدولة في 2018 لم يتجاوز 1,500 عنصر. ويرى الباحثون أن هذه الأرقام تكشف عن فجوة هائلة بين حجم التهديد الحقيقي ومستوى العنف الممارس ضد السكان.

أكد التقرير أن الإعدامات الميدانية والقتل دون محاكمات تشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية إذا نُفذت بشكل ممنهج. وقال سالم: "جرائم الحرب ضد سكان سيناء لا يمكن أن تكون أساسًا للعدالة أو الأمن أو السلم الاجتماعي، ولا يحقق الإنصاف سوى الحقيقة والعدالة".

طالبت المؤسسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات. وأشارت إلى أن آلاف العائلات ما زالت تبحث عن الحقيقة رغم مرور السنوات.

إلى جانب القتل، عانى أهالي سيناء من التهجير القسري واسع النطاق. ففي أكتوبر 2014 وبعد هجمات كبرى، بدأ رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في تدمير مدينة رفح بالكامل بذريعة الأمن، ما أدى إلى محو 685 هكتارًا من الأراضي الزراعية وهدم 800 منزل لإنشاء منطقة عازلة مع غزة.

توضح هذه الوقائع أن سكان سيناء عاشوا عقدًا من الانتهاكات المركبة: قتل، إخفاء قسري، تهجير، وتدمير للبنية الاجتماعية. ويبقى السؤال مفتوحًا حول إمكانية محاسبة المسؤولين، في ظل تواصل الصمت الرسمي وتزايد الأدلة على أن شمال سيناء تحول إلى مقبرة جماعية للصوت والذاكرة والحياة.

https://www.middleeasteye.net/news/egyptian-military-used-mass-grave-uncovered-sinai